Thursday, January 24, 2019

نرى هنا شبكةً من الصلب تُستخدم في جامعة "المستقبل هاكوداته"

لكن طرق جعل المبنى مرناً بما يكفي للصمود أمام الزلازل لا تقتصر على استخدام وسائل معقدة تستهدف امتصاص الطاقة الزلزالية وتخفيف قوة الاهتزازات، بل إن هناك أساليب أخرى تُعنى بالتصميم الداخلي والخارجي للمبنى وهيئته كذلك.
وفي هذا السياق، يقول لوبكوفسكي: "ما نريده - في الحالة المثالية - أن نجعل المبنى منتظماً ومتناسقاً بقدر الإمكان.. إذا ما كان لكل الطوابق الارتفاع نفسه وكانت الأعمدة على شكل شبكةٍ تفصلها مسافاتٌ متساويةٌ" ستزيد قدرة المبنى على الصمود أمام أي زلزال.
لكن مصممي ناطحات السحاب ذات الشكل المتميز لا يرحبون في أغلب الأحيان بتقديم مثل هذا النوع من التنازلات، ما يجعل من الشائع حدوث تباينات بين المعايير المطلوبة من جانب المهندسين لجعل المبنى قادراً على مقاومة الزلازل، والرؤى الإبداعية التي يريد المهندسون المعماريون تطبيقها في البناء نفسه، مما يقود إلى أن تنشأ توتراتٌ بين الفريقين.
ويقول نوريهيرو إجيري مدير شركة إجيري للهندسة الإنشائية ومقرها طوكيو: "توجد دائماً صراعاتٌ كبيرةٌ بيننا.. لحسن الحظ، يتلقى المهندسون المعماريون في اليابان - بدورهم - تعليماً بشأن الزلازل، لذا يكون بمقدور المهندسين والمصممين تبادل النقاش بشكل منطقي".
ولعل الوقت قد حان لإلقاء نظرةٍ على برج "سكاي تري" الموجود في طوكيو وهو ثاني أعلى مبنى في العالم. وقد شيّد على طرازٍ معماريٍ معروف باسم "المستقبلية الجديدة"، ويُنتفع فيه بعناصر معماريةٍ من تصميمات المعابد اليابانية التقليدية المعروفة باسم "باغودا".
كما يتضمن عموداً مركزياً مرتبطاً بصماماتٍ زلزاليةٍ. ويمكن للعمود والصمامات أن تمتص مجتمعةً الطاقة التي يوّلدها الزلزال.
إذا عدنا إلى ساتو سنجد أنه يعكف على تطوير حلولٍ هندسيةٍ تتسم بالطابع العملي والجمالي معاً، وتُمَكِّن المباني من مقاومة الزلازل. ويقول في هذا الشأن: "عندما أناقش التصميمات الإنشائية مع المهندسين المعماريين، أبحث دوماً عن طريقةٍ لجعل العناصر المرتبطة بمقاومة الزلازل متناغمةً مع التصميم العام للمبنى".
ويضيف بالقول: "أحياناً أتمكن من إيجاد وسيلة يمكنني من خلالها دمج هذه العناصر في المخطط المعماري الخاص بكل طابق من الطوابق، وفي أحيان أخرى أستطيع تطوير عناصر شفافةٍ أو نصف شفافةٍ، وفي أوقاتٍ ثالثة" يتم الانتفاع بعناصر مُستقاةٍ من علم الهندسة موجودة في تصميم المبنى، وتحويلها إلى عوامل قادرةٍ على تحسين كفاءةٍ المبنى فيما يتعلق بالصمود أمام الزلازل.
فعلى سبيل المثال، يفيد استخدام بنىَ شبكية في الحيلولة دون انبعاج والتواء الهياكل التي تُستخدم لدعم المباني.
فإذا انبعج أحد أجزاء هذه البنى، سيساعده وجود جزءٍ آخر يماثله في الشكل وملاصقٍ له في المكان، على ألا يلتوي بشكلٍ كبيرٍ، كما يوزع مهمة امتصاص الطاقة على أكثر من نقطة. ونتيجةً لذلك، يساعد الهيكل الشبكي على تقوية المباني وتدعيمها، دون أن يقلل ذلك من قيمته الجمالية، إذ يمكن أن يكون بديع الشكل في الوقت نفسه.
لا يتسم الهدف الخاص بتحديد المعايير المطلوبة لتشييد مبانٍ مُقاومة للزلازل ومن ثم بنائها بالفعل أمراً يتسم بالجمود والسكون. فالباحثون يسعون دوماً للاستفادة من الصدوع الزلزالية النشطة في الوقت الراهن، من أجل بلورة تقديراتٍ وتكهناتٍ بشأن التأثيرات المحتملة للزلازل التي ستقع في المستقبل على المباني.
لكن ثمة مشكلةً في هذا الصدد تتمثل كما يقول إجيري، في أن قوة الزلازل التي تضرب اليابان والمنطقة التي تقع فيها، تزداد قوةً على ما يبدو شيئاً فشيئا، وهو ما يجعل التكهن بقوة الهزات الزلزالية التي يمكن أن نواجهها في المستقبل أكثر صعوبة.
ولكن هل يمكن لمباني الغد أن تتحمل أقوى الزلازل المتوقعة، وتواجهها دون أن يلحق بها أي ضرر؟
يجيب لوبكوفسكي على هذا السؤال بالقول: "نعم من المفترض أن يكون تشييد مثل هذه المباني ممكناً (ولكن) في حدود المعقول. إذ أن أنواع المنظومات الخاصة بعزل القاعدة (الزلزالية) والدعامات وأنظمة الركائز.. التي نستخدمها ستحقق هذا الهدف".
وتكمن الوسيلة الكفيلة بتشييد مبانٍ قادرةٍ على مواجهة أكثر الزلازل قوة، في العمل تدريجياً على تجربة كل ما لدينا من تقنياتٍ تُعرف بأنها تُستخدم لجعل المباني أكثر ثباتاً واستقراراً، وذلك بالتزامن مع تجريب أكثر التصميمات ابتكاراً، كالاستعانة بالهياكل الشبكية على سبيل المثال.
بجانب ذلك، يمكن أن تُشكل هياكل صغيرةٌ وتجريبيةٌ إضافةً إلى جعبة ما لدى المهندسين من وسائل وأدوات. ومن بين أمثلة تلك الهياكل، هذه الشبكة المعقدة متعددة السطوح، التي صُمِمَتْ لمقاومة حدوث أي انبعاج في عملٍ فنيٍ يوجد في بلدة ناوشيما الواقعة في مقاطعة كاغاوا، وصممه سو فوجيموتو.
ونظراً للطبيعة غير المتوقعة للكوارث الطبيعية، من المستحيل أن نعرف مسبقاً ما إذا كان تصميمٌ ما بعينه سيجعل المبنى الذي سيُشيّد على أساسه قادراً على الصمود في وجه الزلزال القوي المقبل أم لا، حتى تقع هذه الهزة الزلزالية بالفعل.
وهكذا لا يمكن للمهندسين المتخصصين في مقاومة الزلازل ونظرائهم المعنيين بالتصميم والإنشاءات، أن يتيقنوا من مدى مرونة تصميماتهم سوى بعد فوات الأوان.

No comments:

Post a Comment